10‏/12‏/2010

الخلع بين الشرع والدستور


 بقلم المحامى : محمد عبدالمؤمن فارس

 كثيرا من دعاوى الخلع تأسس على اسباب مبهمة وغير مفهومة مما يجعل طلب الخلع ملاذا للفتنة بين الزوج والزوجة وهو ما يخالف الشرع وذلك من خلال

ـ فالأمر فى أنهاء العلاقة الزوجية  فى مفهوم نصوص الشريعة والفقه الأسلامى يكون أساسا" بيد الزوج وليس للزوجة الحق المنفرد فى أنهاء العلاقة الزوجية  الا فى حاله تفويضها بطلاق نفسها من جانب الزوج وليس لها بعد ذلك الا أنهاؤها عن طريق القضاء ويكون قرار أنهاء هذه العلاقه لاحقا" لنظر الدعوى دون أن يكون سابقا" عليها ولا أستثناء على ما سبق الا فى حاله التراضى بين الزوجين على الطلاق أو الخلع وذلك ليس موجود فى هذه الحاله فيكون نص ماده الخلع على الصوره التى وردت بهذا القانون قد خالفت أمرا" متفقا" عليه ومتسقا" مع مبادئ الفقة  وقواعد النصوص فى هذا الموضوع لأن هذه الماده جعلت أنهاء هذه العلاقه محسوما" من الزوجة منفرده فى حاله أصرارها على ذلك ويكون دور القضاء فى ذلك هو دور الموثق لهذا الأمر. ولا تاثير من عرض الصلح والحكمين وغير ذلك لأن أمر أنهاء هذه العلاقه باراده الزوجة منفرده دون معقب عليها فى ذلك مما يعد حكم القضاء فى ذلك حكما" كاشفا" عن الأراده المنفرده للزوجة فقط. كما أن جعل الطلاق بيد القاضى أمر بعيد عن الصواب ووضع الأمر فى غير موضعه الصحيح لأن القاضى ليس طرفا" فى العلاقة الزوجية فالزوج هو الطرف المباشر اذ العلاقة الزوجية تتميز عن سائر العلاقات البشرية بأنها ذات طبيعة خاصة سدادها الموده والرحمه ولحمتها الاحساس بالتقارب بين الزوجين ومن ثم ينمو ويترعرع فى ظلها الأخلاص والتفانى والمشاركة فى أمور هذه الحياة ومن ثم تكون الثمره المرجوه من الحب والعطاء . فهل من المناسب أن يكون للقاضى الدور الأساسى فى أنهاء هذه العلاقة . كما أن الشريعة الاسلامية السمحة قد أعطت القوامة للرجل على المرأه والأسرة وما ذلك الا لصلاحيتة لهذا الأمر والقاضى لم يعط حق القوامة حتى يكون الطلاق بيده دون الزوج . فضلا" عن أن الحياه الزوجية فيها من الاسرار الشئ الكثير وليس من المناسب أن تجعل ساحات المحاكم مكانا" لنشر هذه الاسرار وفيها كثير من المداخلات النفسية مما لا يقع تقديره تحت سلطات القضاء وكيف يعقل أن يكون الزوج هو الذى أختار الزوجة وتحمل النفقات ثم باشر علاقتة بها على أقرب ما تكون العلاقات . وشرب من حلوها وذاق من مرها ما ذاق ثم يأتى بعد ذلك القاضى ليكون هو الذى بيده الطلاق.


_  كما أن طلب الخلع بدون أمر جدى مكروه كراهه شديده وقد يصل الى حد التحريم وذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " آيما أمرآه سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحه الجنه " صدق رسول الله ـ ص ـ وقول رسول الله " لا تطلق النساء ألا من ريبه أن الله لا يحب الذواقين والذواقات " صدق رسول الله ـ ص ـ  وقوله ايضا  " تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن " صدق رسول الله ـ ص ـ . وقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه كان لا يؤتى برجل طلق أمرأته ثلاثا" الا وأوجعه ضربا" . فطلاق الرجل لزوجته من غير سبب فانه يعد كفر بنعمه الزواج ونوع من البغى على المرآه كذلك طلب الزوجه الطلاق من غير سبب فانه يعد كفر بنعمه الزواج وبغى على الرجل . فلقاضى الموضوع نظر الأمر بتمعن والأخذ بالأسباب الصحيحه والفعليه وذلك ردأ" للفتنه ومنعا" من التلاعب بحدود الله فى الطلاق والخلع خصوصا" فالأصل فى ساحه القضاء البيان والحجه لا السكوت والتجهيل اذا فشلت الزوجة فى هذا الأمر وذلك بأتيانها أسباب غير معلومه وغير مفهومه وغير صحيحه. فيجب أن تتوافر فى الأسباب اليقين وعدم القابليه فى الشك فيها وذلك فى قوله تعالى " وما يتبع أكثرهم الا ظنا" ان الظن لا يغنى من الحق شيئا" صدق الله العظيم .


* كما أن للخلع وجه أخر من ناحيه القانون وتحديدا القانون الدستورى الذى فيه ما يجل الحياه الزوجية ويحميها من التفكك من أجل اسباب تافهه قد تودى بمستقبل أسره وذلك من خلال
_ عدم دستوريه نص المادة 20/1 من القانون رقم 1 لسنة 2000 من قانون الأحوال الشخصية الجديد ._
وحيث أن نص المادة سالفة الذكر قد خالفت نص المادة الثانية من الدستور التى نصت على الاتى :- الإسلام هو دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع 
وقد خالف نص المادة 20/1 سالفة الذكر نصوص الشريعة الإسلامية مما يتعين معه الطعن عليها بعدم الدستورية لمخالفتها لنص المادة الثانية من الدستور للاتى :-
_ لم يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أو فعل يبيح للزوجة الخلع دون أن يطلقها زوجها أو أن ينتقل حق التفريق فى حالة الخلع لشخص غير الزوج الذى بيده الطلاق 0 وكل ما حدث أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بما امهرك قالت بحديقة قال لها ردى عليه حديقته فبعد أن ردت لزوجها حديقته قال له طلقها اى أن الأمر مازال بيد الزوج فى أن يطلقها ولم ينقل هذا الحق حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم 0
_ وكان يتعين أن يكون نص المادة 20/1 على هذا النحو :-
للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فأن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخلعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها حكمت المحكمة :-
أولا :- إبراء الزوجة من جميع الحقوق المالية والشرعية بتنازلها عنها
ثانيا :- إلزام الزوج بقبول الصداق الذى أعطاه لها الذى حكمت به المحكمة
ثالثا :- ليس للزوج المرفوع ضده دعوى خلع ليس عليها طاعة لزوجها
رابعا :- إلزام الزوج بغرامة مالية لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن 50000 خمسون ألف جنيه أو الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات أن لم يقم بقبول خلع زوجته بتطليقها خلال 30 يوم أمام المحكمة بطلب تحديد جلسة خلال هذا الميعاد وإلا حكمت المحكمة على المدعى عليه ( الزوج ) بإحدى هاتين العقوبتين أو بالغرامة والحبس معا مع إلزامه بالمصاريف ومقابل الأتعاب ويتم وقف التنفيذ فى حالة قبوله تطليقها 0
وبذلك يكون دور المحكمة إلزام الزوج بالتطليق طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية 0
لان الشريعة الإسلامية لم تفوض اولى الأمر فى الطلاق أو القاضى أو ولى الأمر لأنه لا يملك أن يزوج المرآة بدون إذنها 0 فكيف يكون صاحب حق شرعى على ذمة الرجل فى إبرام عقد الزواج أو الطلاق أن لم يفوضه بعقد وكالة أو إنابة فى هذا الأمر فالوكالة المفترضة أو الإنابة المفترضة ليست من الشريعة الإسلامية فى هذا الأمر 0
فإذا ما أوقع شخص أخر خلاف الزوج الطلاق على أجنبية عنه فأن الطلاق لا يعتد به بل ربما وقع هذا الطلاق على زوجته هو لان ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد – وهو الطلاق بأى صورة وفى اى صيغة طالما المقصود به الطلاق 0
وحيث أن الزوجة التى ترغب فى خلع نفسها لا يملك القاضى أن يطلقها أو يخلعها من زوجها ولكن يملك إلزام زوجها بغرامة مالية أو حبسه أو العقوبتين معا حسبما يرى القاضى من جدوى العقوبة حتى يقوم الزوج بالتطليق حتى لا يكون أمر الزواج والطلاق بيد من لا يملكه شرعا بدون نص شرعى يتفق مع الشريعة الإسلامية وحتى لا ينتقل الزواج والطلاق إلى عقد مدنى يحق للقاضى أن يتمه أو يفسخه فهذه أمور شرعية لا يتعدى القانون الوضعى على حرمتها 0 وإلا نكون قد تعدينا على الشرع بلا مسوغ شرعى فتفسد الأمور الشرعية 0
لذلك ندفع بعدم دستورية نص المادة 20/1 من القانون رقم 1 لسنة 2000 من قانون الأحوال الشخصية الجديد 0
وذلك لمخالفتها الجسيمة لنص المادة الثانية من الدستور 0
فحق الطلاق مقرر للزوج حتى لو كانت العصمة بيد الزوجة ولا يمكن سلب هذا الحق منه وإعطاءه للغير مهما كان الأمر طالما الزوج كامل الأهلية وليست به عيوب شرعية وقادر على الإنفاق فحق الطلاق مكفول للزوج حملا على أحوال المسلمين بافتراض صلاحهم وتقواهم وهم لا يمارسون هذا الحق انحرافا أو التواءا أو أضرارا 0
وبذلك فان نص المادة 20/1 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ق الأحوال الشخصية الجديد خليق بالطعن عليه بعدم الدستورية حيث انه قد صيغ القواعد التى قررها لفئة معينة لا تعنيها إلا مصالحها الضيقة التى لا يحميها الشرع بل هى تحتمل الخروج على الشرع بشكل قانونى قد يحفظ ماء الوجه أمام الناس ولكن قد يخالف الشرع مخالفة صارخة تحت ستار مبررات قصص قد تخفى خلفها انحرافات ونزوات شخصية قد يدفع ثمنها الأبناء الأبرياء لتتحطم لبنات المجتمع لبنة لبنة ليتصدع صرح المبادىء والأخلاق تحت شعار رفع الظلم والمعاناة عن أشخاص قد تكون موتورة ليصبحوا قدوة يحتذا بها بعد ذلك وتصبح ثمة شائعة تهدد كيان الأسرة والمجتمع وتعطى الحق للغير دون أن يفقد الرجل أهليته الشرعية والقانونية بدون مبرر لذلك وبدون تشريع يوافق الشرع 0

وبذلك يكون النص الواجب الطعن عليه بعدم الدستورية قد أخل بحق الزوج بطلاق زوجته فى حالة طلبها الخلع ونقل هذا الحق للقاضى ولم نجد نص شرعى فى القرآن أو فى
السنة يعطى هذا الحق للقاضى ولكن يعطى اولى الأمر الحق فى إلزام الزوج بأن يطلق زوجته بتهديد الزوج بتوقيع غرامة مالية أو الحبس أو كليهما معا ولكن لا يحق للقاضى أن يطلق زوجة الغير بدلا من الزوج لأنه ليس وكيلا أو نائبا عن الزوج فى هذا الأمر ولم يوكله الشرع فى الطلاق نيابة عن الزوج .
وبذلك نكون قد أوجدنا نص قانون وضعى مخالف النصوص الشرعية مما يتعين معه الطعن عليه بعد دستوريته .
وكل ما جاء شرعا فى الخلع – هو إلزام الزوج بقبول الحديقة أى رد المهر له الذى أمهره لزوجته وإلزامه بالطلاق – ويتعين فى هذا العصر أن يكون الإلزام إما بالتهديد بتوقيع غرامة مالية أو الحبس حسبما يتراءى للقاضى المعروض عليه النزاع . ولكن لا يخول الشرع للقاضى القضاء أو الحكم بالتطليق.

 _ وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها فى 22 من مايو سنة 1980 – يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة – مصدراً وتأويلاً – والتى يمتنع الاجتهاد فيها، ولايجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها، ولاكذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولاتمتد لسواها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد فى الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية – النقلية منها والعقلية – حقاً لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولى الأمر ينظر فى كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة لايجاوزها، ملتزماً ضوابطها الثابتة، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهماً فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقاً على ولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما مالم يكن إثماً، وكان واجباً كذلك ألا يشرع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسراً، وإلا كان مصادماً لقوله تعالى "مايريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج". وحيث إن الطلاق وقد شرع رحمة من الله بعباده، وكان الطلاق هو من فرق النكاح التى ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحاً كان أم كناية،وليس خلعا" أى عن طريق المحكمة وفقا" ما أرادت به نص الماده20/1 من القانون رقم 1 لسنة 2000 من قانون الأحوال الشخصية الجديد  . وهو مايتصادم مع ضوابط الاجتهاد، والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، فضلاً عما يترتب على ذلك من تعرض المدعى عليه  لأخطر القيود على حريته الشخصية وأكثرها تهديداً ومساساً بحقه فى الحياة، التى تعتبر الحرية الشخصية أصلاً يهيمن عليها بكل أقطارها، تلك الحرية التى حرص الدستور على النص فى المادة (41) منه على أنها من الحقوق الطبيعية التى لايجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه، والتى يندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التى لاتكتمل الحرية الشخصية فى غيبتها، ومن بينها حقى الزواج والطلاق وما يتفرع عنهما، وكلاهما من الحقوق الشخصية التى لاتتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها، ولاتعمل بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور فى المادة 9/1) منه قوام الأسرة الدين والأخلاق، كما جعل رعاية الأخلاق والقيم والتقاليد والحفاظ عليها والتمكين لها، التزاماً دستورياً على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة والمجتمع ككل، ضمنه المادتين (9/2 ، 12) من الدستور، والذى غدا إلى جانب الحرية الشخصية قيداً على السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تأتى عملاً يخل بهما، ذلك أنه وإن كان الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، إلا أن المشرع يلتزم بما يسنه من قوانين باحترام الأُطر الدستورية لممارسته لاختصاصاته، وأن يراعى كذلك أن كل تنظيم للحقوق لايجوز أن يصل فى منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو أن ينتقص منها، ولا أن يرهق محتواها بقيود لاتكفل فاعليتها، الأمر الذى يضحى معه هذا النص فيما تضمنه من الطلاق خلعا" ويكون الطلاق بيد الزوجه ويكون الطلاق بحكم محكمة وليس بيد الزوج قد أتى مخالفاً للمواد (2، 9، 12، 41) من الدستور.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

الاكثر زيارة

الاكثر زيارة خلال الشهر

الاكثر زيارة خلال الاسبوع